السبت، 2 يناير 2021

حكاية صهر أوفقير الجزائري الذي تورط في قضية بن بركة

حكاية صهر أوفقير الجزائري الذي تورط في قضية بن بركة






 - في تازمامارت حدث لك خلاف مع المعتقل القبطان عبد الحميد بندورو، الذي كانت لك سابق معرفة به قبل الاعتقال، فانقلبت صداقتكما إلى جفاء تام؛ كيف حدث ذلك؟

بندورو (آخر ضحايا تازمامارت، توفي يوم 5 مارس 1991) يتحدر من مدينة الرباط، وقد كنت أعرفه وأعرف عائلته جيدا. في تازمامارت أصبح مواظبا على قراءة القرآن، وأحيانا كان يقدم هو وبوشعيب سكيبة بعض التفسير لمعانيه إلى المعتقلين، وبالموازاة مع ذلك كان يروق له كثيرا أن يتحدث معنا (الإخوة بوريكات) عن الرباط وعائلاتها، إلى أن فوجئنا به ذات يوم يقول لنا: «ما بقيتش كنهدر معاكم نتوما بثلاثة».
- لماذا؟
قال إننا نتحدث عن الحانات، وعن بنات الهوى، وعن قاعات السينما..
- يعني أنه أصبح متدينا إلى حد رفضه مجرد التسلية بالحديث عن الماضي؟
«زعما.. زعما». وبعدما قال لنا ذلك، قلت له أنا: كرر ما قلته فأنا لم أسمعك جيدا؛ فأعاد ذلك على مسامعي: «أنا منهدرش معاكم نتوما كتهدرو غير على الكاباريهات والعاهرات والسينمات»، فأجبته منفعلا: «واش انت وليتي نبي؟». ولفرط ما آلمني أن يتحدث إلينا بتلك الطريقة، دخلت في موجة هستيرية، وظللت أسبه لمدة 48 ساعة، بليلها ونهارها، دون توقف (معلقا) هل تصدق، فلم أكن أتوقف إلا عندما يأتينا الحراس بالطعام، وبمجرد ما يوزعون الطعام علينا وينسحبون أعود لمواصلة سبه، تاركا الأكل والنوم.
- في أكتوبر 1989 سيقضي اليوتنان عبد السلام حيفي، بعد سنوات من الحمق والمرض، وأيضا ساعات الإمتاع والمؤانسة التي كان يقتطعها من قلب مآسي تازمامارت؛ اِحك لنا عن هذا الرجل..
لقد سبق أن حكيت لك أن عزيز بينبين كان ذات يوم قد حكى لي عن شقيقة له، تعمل أستاذة تدرس اللغة الإنجليزية، فالتقط ذهن المعتوه حيفي اسمها وخزّنه، ثم شرع يستفز بينبين، من حين إلى آخر، مباغتا إياه بالسؤال عنها: «آش كدّير فلانة دابا.. فلانة را تكون فهاذ الوقت فالدار دايرة شي سواري...». وقد انزعج عزيز بينبين من ذلك كثيرا واغتاظ من حيفي وبدأ يسبه ويطلب منه ألا يعود إلى الكلام معه. ولكي يروّح حيفي عن نفسه، بدأ يتحدث عن الممثلات المصريات، وأساسا ممثلة وراقصة شهيرة (يحاول تذكر اسمها) وكان ذلك يروق لي، فكنت مرارا أبادره بالسلام ثم أسأله بقصد لا يخلو من خبث: «إيوا آ حيفي.. آش عندك من خبار على الممثلة الفلان فلانية؟»، فيبدأ بالحديث عن راقصته المصرية الأثيرة، ثم يعرج على باقي الممثلات. وكم كان يحلو لحيفي الحديث إلى بينبين عنهن. أحيانا، كان يأتي الدور على نجمة السينما الأمريكية مارلين مونرو فيشرع حيفي في الحديث عنها كما لو كانت ملازمة له، ثم لا يفتأ أن يعود إلى الحديث عن ممثلاته المصريات، وكان بالأساس يحب أن يوجه حكيه إلى عزيز بينبين، بالرغم من أن الأخير كان قد عبر له مرارا عن عدم رغبته في الاستماع إليه.
- كان عزيز بينبين قد حكى لك في تازمامارت عن أحد أقاربه، الذي ترمز إليه في كتابك «Mort vivant» ب»H.E.C»، والذي كان قد تورط في قضية اختطاف واغتيال المهدي بن بركة في 1965؛ اِحك لنا عنه بتفصيل أكبر..
يتعلق الأمر بالماحي الغالي، ابن خالة عزيز بينبين. لقد رمزت إليه ب»H.E.C»، نسبة إلى «معهد الدراسات التجارية العليا» في باريس. لقد كان الماحي الغالي، ابن كولونيل جزائري في الجيش الفرنسي يقيم في قلعة السراغنة، وكانت تربطه علاقة صداقة بأوفقير، فسجل ابنه الماحي بثانوية مولاي يوسف بالرباط، وكذا بقسمها الداخلي، وكان أوفقير هو المسؤول عنه. وفي أوقات فراغاته، كان يتردد على بيته بالرباط؛ بعدها شغله أوفقير في ديوانه بوزارة الداخلية، قبل أن يلحقه بالأجهزة السرية، «الكاب 1»، ثم ما فتئ أن سجله في «LEcole des Hautes Etudes Commerciales» (معهد الدراسات التجارية العليا) في باريس وزوجه من ابنة أخيه، ثم كلفه بأن يندس وسط الطلبة المغاربة في فرنسا. وعندما بدأ الإعداد لاختطاف المهدي بن بركة تم تكليفه بمراقبة تحركاته وحضور ندواته.. ورفع تقارير عنه. لقد قرأت عن الماحي الغالي أنا أثناء المحاكمات التي شهدتها باريس عقب اختطاف المهدي بن بركة، حيث وجهت إليه نفس التهمة التي وجهت إلى «لوبيز»، أي الاحتجاز التعسفي(La séquestration arbitraire) للمهدي بنبركة، فكانت الصحافة تشير إليه ب»Le commissaire-étudiant» (عميد الشرطة الطالب). بعد الإفراج عنا من تازمامارت تم إسكاني في شارع فكتور هيجو، وقد تعرفت بداية على أخت الغالي التي أخبرتني بأنها تسكن رفقة والدتها في نفس الشارع، فأبديت رغبة في التعرف على أمها التي كانت مريضة، فكنا نجلس في إحدى المقاهي بنفس الشارع.
- ماذا كان مصير الماحي الغالي؟
اعترف أمام المحكمة بأنه التقى بالجنرال أوفقير في مطار «أورلي» يوم 30 أكتوبر، لكنه نفى أي تورط له في عملية اختطاف بن بركة. وبعد عودته إلى المغرب، تزوج من ابنة الإذاعية بديعة ريان، وهي الزيجة التي لم تستمر أكثرمن ثلاثة أيام. وذات يوم من سنة 1983 ستنقلب سيارته، بغتة، في أحد المنعطفات.. وقد ضغط على الدواسة وكرر الضغط، لكن عبثا.. هكذا تم التخلص منه.

عن مقال

بوريكات: هذه حكاية صهر أوفقير الجزائري الذي تورط في قضية بن بركة
قال إن بندورو أصبح متدينا في تازمامارت وإنه قاطعه بدعوى أنه يتحدث عن الحانات والعاهرات
نشر في المساء يوم 08 - 06 - 2014

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

حكايات السعدنى الحلقة السادسة عن الجنرال المغربي محمد اوفقير

حكايات السعدنى الحلقة السادسة عن الجنرال المغربي محمد اوفقير