الميلودي الصديق اعتقل ظلما فقرر أن يموت في صمت بتازمامارت
- اِحك لنا عن عسكري المظليين الميلودي الصديق الذي التقيتم به (الإخوة بوريكات) أثناء اعتقالكم في مقر الأركان العامة للدرك «L'Etat Major» في حي المحيط بالرباط، قبل أن تعودوا إلى الالتقاء به في تازمامارت التي سيقضي بها نحبه في أكتوبر 1986؟
«آه.. ذاك السارجان»، لقد كان ضمن فريق التدخل المكلف بحماية القصر الملكي.- الميلودي الصديق اتهم بسرقة ذخيرة سلاح؟
ليس هو من سرق الأسلحة، بل رئيسه في العمل الذي كان برتبة «ليوتنان»، وقد قام بذلك بمعية عسكرييْن آخريْن يعلوان الميلودي رتبة. عندما اعتقل «اليوتنان» والعسكريان الآخران وأودعوا مركزا تابعا للدرك الملكي بتمارة، حاولوا إلصاق التهمة ب»السارجان» الميلودي الصديق، ومع ذلك لم يسلموا من التعذيب حيث قضوا ثلاثتهم تحته. وبعد موتهم، اعتقل المسكين الميلودي الصديق دون أن تكون له يد في ما حصل.
- كيف تعرفتم على الميلودي الصديق أثناء اعتقالكم في مقر الأركان العامة للدرك «L'Etat Major»؟
في «L'Etat Major» ، كان هناك دركي طيب يعطف علينا كثيرا.
- ماذا كان اسمه؟
كان عبد الرجاوي، الذي كانت والدته الممرضة على علاقة بوالدتي، يأتينا بالطعام من بيت عائلته، كما كان ينقل أخبارنا إلى عائلتنا، وأخبار عائلتنا إلينا، عن طريق أمه، لكن بحذر شديد. وقد استضافني عبد الرجاوي في بيته بعد خروجي من تازمامارت. المهم أنه ذات صباح، في حوالي الحادية عشرة، وبينما كان عبد الرجاوي معنا في زنزانتنا ب«L'Etat Major» والتي كان بابها مواربا، رأيت أربعة دركيين يحملون شخصا في «كاشة»، ولم يكن ذلك الشخص، حسب ما سأعرفه لاحقا، سوى الميلودي الصديق الذي كان معتقلا في إحدى زنازين «L'Etat Major»، وكان قد اقتيد باكرا ذاك الصباح إلى إحدى نقط التعذيب، ربما كانت تمارة، ثم أعيد إلى «L'Etat Major» وهو على تلك الحال، ليتم بعدها رميه في زنزانته. وفي صباح اليوم الموالي، وبينما كنت واقفا رفقة عبد الرجاوي في مكتبه الذي كان يوجد قرب زنزانتنا، رأيت نفس مشهد الأمس يتكرر: دركيون يحملون شخصا في «كاشة» ويطرحونه في زنزانته. اختبأت حتى مروا، وسألت عبد الرجاوي عمن يكون الرجل، فأخبرني بأن الأمر يتعلق بعسكري متهم بسرقة الأسلحة، وأن رؤساءه قضوا تحت التعذيب. وذات يوم، غادر الميلودي الصديق»L'Etat Major» فظننا أنه ربما أخلي سبيله، قبل أن نلتقي به في تازمامارت.
- كيف تعرفتم عليه؟
الميلودي الصديق ظل صامتا في تازمامارت. كل ما قاله للنزلاء قبل مجيئنا، هو ما حكاه لهم من كونه عندما كان يشتغل بالرباط حدثت حملة تمشيط كبرى قام بها رجال الدرك في كل أنحاء المغرب، وأنه سمع بأنهم كانوا يبحثون عن عقا (المساعد أول أمهروش عقا أحد المشاركين في المحاولة الانقلابية ليوليوز 1971) بعد أن فر من السجن. بعد إفضائه بهذه الحكاية، لزم الميلودي الصديق الصمت. وعندما وصلنا نحن إلى تازمامارت وجدنا بعض المعتقلين، مثل بوشعيب سكيبة (المعروف ببوشعيب السيبة)، يتحدثون في ما بينهم بالإنجليزية والفرنسية؛ وأخبرونا، أثناء التعارف، عن «سارجان» قال لهم إنه لا يتحدث الفرنسية، وإنهم، باستثناء ما حكاه لهم عن حملة تمشيط من أجل اعتقال أمهروش عقا، لا يعرفون أي شيء عن أسباب اعتقاله واقتياده إلى تازمامارت.
- كانوا يقولون ذلك على مسمع منه؟
نعم، وكنا نتعمد استعمال الفرنسية أو الإنجليزية، أثناء الحديث عن حالته.
- كيف تعرفتم (الإخوة بوريكات) على الميلودي الصديق؟
لقد كنت، أنا شخصيا، حريصا، كل صباح، على إلقاء التحية على كل زميل باسمه: «صباح الخير أ فلان.. صباح الخير أ فلان»، وعندما كنت أصل إليه كنت أقول: صباح الخير أ اللي فالسيلون رقم كذا». وبما أن المعتقلين كانوا يردون علي: «صباح الخير أ السي مدحت» فقد التبس اسمي على مسامعه، لأفاجأ به ذات صباح يقول لي: «صباح الخير أسيد الحاج»، بدل: «صباح الخير أ السي مدحت»، واستمر على تلك الحال، كل يوم، يرد على تحيتي الصباحية قائلا: «صباح الخير أسيد الحاج». في البداية، ظننت أنه ربما أبدى استعدادا للحديث معنا، لكنه حافظ على زهده في الكلام، مكتفيا بترديد: «صباح الخير أسيد الحاج». وقد كان الميلودي يشغل نفسه عن الكلام بمزاولة الرياضة، فكنت أسمعه يقوم بحركات «التراكسيون» وغيرها، إلى أن سقط ذات يوم على عتبة الزنزانة فأصيب بكسر في ذراعه، وبقي بدون جبس ولا جبيرة ولا دواء، يعاني في صمت. وذات يوم سمح الحراس لعزيز بينبين بأن يعوده فوجد أن حرارته مرتفعة بشكل مهول. ومنذها، أخذت قدرته على الأكل وكذا على الكلام تتراجع شيئا فشيئا.. تعفن ذراعه، ثم أصيب ب«الغانغرينا» (موت الخلايا وتحلل أنسجة الجسم بسبب انسداد الشرايين)، وبعدها مات.
- أثناء مرضه، حكى لكم حكايته فعرفت أنه هو الذي كان جارا لكم في معتقل الأركان العامة للدرك «L'Etat Major» في حي المحيط بالرباط؟
لم ينبس ببنت شفة.. لقد مات الميلودي الصديق معتصما بصمته.
- وكيف عرفت أنه هو «السرجان» الذي اتهم بسرقة الأسلحة، وجاوركم مدة في «L'Etat Major»؟
بعد مغادرتنا تازمامارت وزيارتي لصديقي الدركي عبد الرجاوي في الرباط، وكان قد تقاعد عن العمل، أكد لي أن جارنا الذي كنت قد رأيته ليومين متتاليين محمولا في كاشة، كان اسمه الميلودي الصديق.
من مقال
بوريكات: الميلودي الصديق اعتقل ظلما فقرر أن يموت في صمت بتازمامارت
قال إنه جاوره في معتقل للدرك وفي تازمامارت حيث توفي دون أن يعرف أحد هويته
قال إنه جاوره في معتقل للدرك وفي تازمامارت حيث توفي دون أن يعرف أحد هويته
سليمان الريسونينشر في المساء يوم 06 - 06 - 2014
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق