السبت، 2 يناير 2021

المانوزي والعسكريون

 قال إن المانوزي كان «مطور».. يجامل المعتقلين العسكريين في حضورهم لكنه يعتبرهم أغبياء وحمقى



سليمان الريسوني
العدد :2380 – 21/05/2014

عندما اقتحمت عليه «المساء» خلوته في باريس، كان يسند رأسه إلى رأس شقيقه بايزيد، يتحاكيان ذكريات يختلط فيها المجد بالمرارة. فوق كرسي اعتراف «المساء»، حكى مدحت «René» بوريكات عن والده التونسي الذي تعلم مبادئ الاستخبارات في الأكاديمية العسكرية بإسطنبول، فقادته إلى الرباط؛ وعن والدته العلوية، قريبة محمد الخامس؛ وعن نشأته وإخوته في محيط القصر الملكي واحتكاكه بالأمراء.. يتذكر مدحت يوم بعثه والده في مهمة خاصة إلى محمد الخامس في فرنسا بعد عودته من المنفى.. ثم اشتغاله في موقع حساس في باريس جعله يتنصت على مكالمات الأمراء والوزراء.. إلى أن سمع ولي العهد يتحدث إلى طبيب والده عن المرض الذي تسبب في وفاة محمد الخامس، والتي يقول بوريكات أنْ «لا علاقة لها بالعملية التي أجريت له على الأنف». في «كرسي الاعتراف»، نتعرف مع مدحت «René» على محيط الملكين محمد الخامس والحسن الثاني، وعلى علاقة المال بالسياسة، وما يتخلل ذلك من دسائس القصور التي قادته، رفقة أخويه بايزيد وعلي، من قمة النعيم إلى متاهات الجحيم في تازمامارت، وجرجرت والدته وأخته بين دهاليز المعتقلات السرية. تفاصيل التفاصيل التي غابت عن كتابه «ميت حي – شهادات من الرباط 1973 إلى باريس 1992» يستحضرها مدحت بوريكات، الذي فقد 20 سنتيما من طوله خلال 20 سنة من الاعتقال، بقدرته المدهشة على الحكي الذي يجعله، يخرج من دور الضحية ليحاكم جلاده، بالسخرية منه طورا، وبالشفقة عليه طورا آخر.

– ما الذي حكاه لك الحسين المانوزي عن اعتقاله الأول في النقطة الثابتة (PF) التي قلت إنها كانت توجد على يمين طريق زعير في اتجاه عين عودة، والتي أودع فيها المانوزي مباشرة بعد اختطافه واستقدامه من تونس؟
عندما أدخل المانوزي إلى الـ«PF»، في نهاية 1971، التقى بكل من أمهروش عقا وأحمد مزيرك ومحمد اعبابو ومحمد الشلاط (الذين اعتقلوا على ذمة المشاركة في المحاولة الانقلابية على الحسن الثاني في القصر الملكي بالصخيرات في يوليوز 1971)، وكان هؤلاء قد استقدموا من سجن القنيطرة. في هذا الـ»PF» بقي المانوزي وهؤلاء العسكريين إلى غاية 1973 حيث تم إلحاقهم بنا (الإخوة بوريكات) في الـ«PF3»، وهناك سأتعرف على المانوزي الذي حكى لي ما أحكيه لك الآن.
– كيف كانت شخصية الحسين المانوزي الذي تعرفت عليه خلال تجربة الاعتقال بالـ«PF3»؟
كان «مطور».
– سق لنا أمثلة على ذلك..
مثلا، في الـ«PF3»، أصبح صديقا لأمهروش عقا، وحسسه بأنه مع العسكريين في مواقفهم واختياراتهم، لكنه كان يقول لي عنهم بالمقابل: «Des imbéciles» (إنهم أغبياء).
– هكذا كان يتحدث عنهم؟
(يضحك) نعم؛ فعندما كنت أسأله عن سر علاقته بعقا، كان يجيبني قائلا: هؤلاء (أي العسكريون) كلهم أغبياء وحمقى، لا يعرفون أي شيء، ثم يضيف: أنا لا يمكنني أن أقاسمهم أية فكرة، لكن بما أننا في السجن فمن الضروري أن أجاملهم.
– كيف كانت ثقافة المانوزي السياسية وغيرها؟
‏ «Pas mal» (لا بأس بها).. لقد كانت له ثقافة نقابية جيدة. وبما أنني كنت أيضا نقابيا، عندما كنت أشتغل في الاتصالات السلكية واللاسلكية، فقد كنا مرارا نخوض في نقاشات عن النقابة وغيرها. ذات يوم، قال لي المانوزي: لو أنني كنت خارج السجن وأردت أن أعرف تفاصيل الأمور عنكم (الإخوة بوريكات) لذهبت إلى أرشيف حزبنا، الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، ولوجدت كل شيء عنكم.
– هل كان يقول ذلك ليدفعك إلى الحديث عن جوانب ظن أنك كنت تخفيها عنه حول الأسباب الحقيقية لاعتقالكم، وما إلى ذلك؟
لا، أنا لم أكن أخفي عنه ولا عن أي أحد شيئا في ما يتعلق بقضيتنا.
– ماذا كان تعليق المانوزي، باعتباره مناضلا اتحاديا، على المحاولة الانقلابية التي قام به زملاؤكم اعبابو وعقا ومزيرك والشلاط، بما أنه كان مقربا من عقا واعبابو وباقي العسكريين؟
اعبابو لم يكن يحبذ الحديث كثيرا عن المحاولة الانقلابية التي شارك فيها ضد الحسن الثاني، عندما كنا نكون مجتمعين. ربما كان يتحدث إلى المانوزي عن ذلك عندما كانا ينفردان ببعضهما، كما كان يفعل معي أنا.
– ما الذي حكاه لك اعبابو عن «الانقلاب»؟
في البداية قال لي ما كان قد أدلى به في المحكمة من تصريحات، أي أنه لحق بأخيه امحمد ليثنيه عن القيام بانقلاب ضد الملك. لكنني كنت أواجهه بالقول: هذه ليست هي الحقيقة يا اعبابو، فكان يصمت. لاحقا، عندما نشأت الثقة بيننا، قال لي: نحن دائما كنا ضد الحكم، لأننا ريفيون ومثلنا الأعلى هو «الريفوبليك»، الجمهورية التي كان سيؤسسها الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي في الريف سنة 1921. وهذا الموضوع لم يكن اعبابو يتحدث إلي فيه على مسمع من شقيقيّ بايزيد وعلي.
– لماذا؟
لأنه كان يخشى من تسرب ذلك، وكان يقول لي وهو يحدثني: خذ حذرك، فأجيبه أنا: أنت من يجب أن يحتاط أثناء حديثه إلى الحراس.
– ما الذي كان يقوله للحراس؟
كان يقول لهم إنه متأكد من أن الحسن الثاني سوف يعفو عنه في أقل من ربع ساعة إن هو التقى به، ليعود إلى عمله السابق. لذلك كنت أحذره بقولي إن ما يفضي لهم به يصل مباشرة إلى الجنرال الدليمي.. (مستدركا) حينها لم يكن الدليمي سوى
كولونيل.
– لنعد. تحدث إلينا عن آخر اللحظات التي قضيتموها (مدحت وبايزيد وعلي بوريكات) في مقر الأركان العامة للدرك «L’état Major» في حي المحيط بالرباط، قبل نقلكم إلى جحيم تازمامارت..
في «L’état Major» كنا نعيش كسجناء فوق العادة.. فكان الدركيون يمدوننا بكل ما نطلبه، وقبيل تنقيلنا من هناك بوقت قليل، جاؤونا بأغطية من نوع «سيمونس»، وكانت هذه، حينها، من أحسن ماركات الأغطية، بالإضافة إلى شراشف بيضاء، كما كانوا يأتوننا بملابس جديدة، سواء طلبناها أو لم نطلبها. أما الطبيب، فكان يزورنا لمجرد إحساس الواحد منا بألم طفيف في رأسه، فيفحصنا ويمدنا بالدواء الذي يلزمنا تناوله، بالإضافة إلى أي دواء كنا نطلبه حتى لو لم نكن محتاجين إليه، إلى درجة أن بعض الدركيين عندما كانوا يريدون الحصول، لهم أو لأحد أقاربهم، على دواء مرتفع الثمن، كانوا يلتمسون منا أن نطلبه لهم من الطبيب الطيب الذي كان يعودنا. لقد كانت هناك تعليمات صارمة لحراسنا الدركيين بالإبقاء علينا في صحة جيدة، لشيء ما كان يرتب في المستقبل، ومما لا شك فيه أن تلك كانت أوامر الدليمي. لقد لاحظنا ونحن معتقلون كيف كان الدركيون يحتاطون أمام زملائهم المتحدرين من منطقة سيدي قاسم (مدينة الدليمي)، فهؤلاء كانت لهم امتيازات لا يحظى بها باقي الدركيين الذين كانوا يحدثوننا باستياء عن ذلك. حينها (1980-1981) أحسسنا بأن هناك منافسة بين مجموعة حسني بنسليمان ومجموعة الدليمي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

حكايات السعدنى الحلقة السادسة عن الجنرال المغربي محمد اوفقير

حكايات السعدنى الحلقة السادسة عن الجنرال المغربي محمد اوفقير