السبت، 2 يناير 2021

عملية الهروب من "النقطة الثابتة 3" – معتقل دار المقري

 عملية الهروب من "النقطة الثابتة 3" – معتقل دار المقري




"النقطة الثابتة 3" هو الاسم الذي كان عملاء جهاز "الكاب 1" يطلقونه على المعتقل السري الرهيب، دار المقري، في تقاريرهم ومذكراتهم ومرايلاتهم. بعد موت الجنرال محمد أوفقير كان يشرف عليه رجالات الجنرال أحمد الدليمي. زج في دهاليزه بالمختفي قسرا والمجهول المصيرالحسين المانوزي وأيضا العسكريين اعبابو وشلاط ومزيرق وعقا ، الذين شاركوا في الانقلاب الأول بقصر الصخيرات، والإخوان بوريكات وأحمد بنجلون وكل مناضلي الاتحاد الوطني للقوات الشعبية و"التنظيم السري".
استغرب ضيوف دار المقري لتغيير مفاجئ طرأ على حين غرة بعد الزج بالحسين المانوزي في معتقل "النقطة الثابتة3 " ، إذ تم تخفيف الحراسة بشكل ملفت للنظر وغير مفهوم، مما أثار شكوك بعض المعتقلين – ومنهم مدحت بوريكات الذي أخبر رفاقه في المحنة مرارا وتكرارا قائلا ربما الدليمي وزبانيته يدبرون شيئا مبيت ما. خلافا للعادة المعتمدة بدأ الحراس يتعمدون ترك أبواب الزنازين وغض الطرف عن تواصل المعتقلين.
بعد أيام أخبر الحراس المعتقلين العسكريين (المقدم اعبابو ومريزك والنقيب الشلاط وعقا) أن الإخوان بوريكات الثلاثة سيطلق سراحهم بينما الآخرون سيلتحقون بأصحابهم الجنود في معتقل تحت الأرض، بعيدا عن النظر والسمع. وقد اعتقد أحد لأخوة بوريكات أن القائمين على المعتقل السري يريدون أن يدبر المختطفون عملية هروب ثم يتربصوا بهم ويلحقون بهم لتصفيتهم خارج المعتقل أو في مكان خلاء بعيدا عن الأنظار. حينها كان حي السويسي – حيث يوجد المعتقل السري - أرض خلاء لا بنايات بها.
في أحد الأيام فتحت الزنازن لإحضار وجبة الفطور... اتجه مدحت بوريكات إلى المرحاض فوجد المانوزي وعقا ومعهما الشلاط، فقال له هذا الأخير "إن الليلة سننفذ العملية"، التفت مدحت نحو المانوزي، فأحنى رأسه، فقال: ماذا تقولون ... إنه عبث..."، فكان الجواب: " هل ستهرب معنا أنت وأخويك؟" فنفى نفيا كليا.
كان موعد الإفطارحوالي الثامنة أو الثامنة والنصف، يتزامن مع تغيير حراس الليل ، ويأتي آخرون يتكلفون بالحراسة خلال النهار.
تجاذب مدحت بوريكات أطراف الحديث مع الكولونيل اعبابو، حيث قال الأول : "هل تظن أن عملية الهروب ستنجح؟". رد عليه الآخر: "أنا محكوم بعشرين سنة حبسا، وهل تظن أنني سأصبر على البقاء هنا طيلة هذه المدة... وعقا والشلاط محكوم عليهما بالمؤبد ومزيرك بخمسة عشر سنة سجنا والمانوزي بالإعدام... بينما أنتم لم يصدر في حقكم أي حكم..." فرد مدحت: "نحن مشكلتنا أعوص، أما أنتم فقد تم تقديمكم للعدالة علانية ويعرف الجميع قصتكم، وكانت الجلسات علنية وكانت تزوركم عائلاتكم... أما نحن فيمكنهم تصفيتنا دون أن يهتم أحد بمصيرنا..". ثم أضاف: "نحن نتفق على الهروب، لكن لابد من التفكير جيدا في العملية، نحن لدينا المال الكافي وعلاقات يمكن أن نستثمرها للحصول على المساعدة والوثائق وأمور أخرى، ولابد من دراسة الخطة جيدا، لذا عليكم إمهالنا بعض الوقت لترتيب الأمور...".
في شهر يوليوز 1975 ، حلق المعتقلون – ما عدا الإخوان بوريكات - ذقونهم وغيروا ملابسهم على غير عادتهم... لاحظ علي بوريكات الأمر وقال لشقيقه مدحت : " أنظر إليهم إنهم جميعا حلقوا رؤوسهم واغتسلوا، ربما في الأمر سر ما..."
في يوم الثامن من نفس الشهر الذي صادف الاحتفال بعيد الشباب، والملك حينها في مراكش كانت الحراسة خفيفة، ولا يتواجد إلا القليل من الحراس.
وبعد منتصف النهار فتحت الزنازن بعد الغذاء، وتركت مفتوحة، وذهب مدحت للحديث مع المجموعة التي كانت تقاطع الشقيقين علي وبايزيد.. وقالوا له أنهم سوف لن يهربوا وأنهم حلقوا للنظافة ليس إلا...
حضر الحراس الجدد حوالي الساعة السابعة مساء، فقدموا طعام العشاء، وقال لهم أحدهم: "اغسلوا صحونكم... وفي انتظارذلك سأؤدي الصلاة ... سأغلق أبواب الزنازن عليكم وسأفتحها فيما بعد..." ولم يكن من المعتاد القيام بذلك.
همّ الحارس بإغلاق باب الزنزانة، فانقض عليه الشلاط وأسقطه أرضا ونزع سلاحه وكبّله بالأصفاد، وأدخله إلى الزنزانة... كان هناك ثلاثة حراس، كان الثاني يتجه نحو زنزانة علي وبايزيد لإغلاقها، فأسقطه مزيرك وعقا معا، فيما تكلف المانوزي بوضع الأصفاد في يديه.
أما الثالث، رئيسهم، فكان في الساحة.
كان لدى الحراس ثلاثة أصفاد في الغالب، ورغم أنهم كانوا يرتدون الجلاليب إلا أنهم كانوا يتعمدون إظهار المسدسات التي يخبئونها تحت الجلباب، وكانت هناك غرفة صغيرة يجلسون بها وبها يضعون أسلحتهم، وذهب اعبابو إليها وأحضر رشاشا – سلمه لعقا – ومسدسا، ثم
أغلقوا الزنازن على الحارسين... حاز مزيرك مسدس أحد الحراس وكذلك مسدسا آخر أخذه المانوزي ... ثم اتجهوا نحو السور الخارجي لتسلقه بعض إحضار طاولة وكرسي... حاول مدحت العودة إلى الزنزانة لكن عقا أمسكه بشدة وأرغمه على القفز خارج المعتقل... ثم اتجهوا صوب منطقة خلاء، قاصدين سد عين عودة.
كان هذا المعتقل السري الكائن في طريق زعير بالقرب من مقر إدارة مديرية "لادجيد"، يقع في شهر يوليوز من عام 1975 تحت نفوذ الدرك الملكي وتحت القيادة الجهوية للجنرال حميدو العنيكري ووطنيا تحت قيادة الجنرال دوكور دارمي حسني بنسليمان.
من مقال

الهروب من السجون والمعتقلات من الحماية إلى اليوم


إدريس ولد القابلة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

حكايات السعدنى الحلقة السادسة عن الجنرال المغربي محمد اوفقير

حكايات السعدنى الحلقة السادسة عن الجنرال المغربي محمد اوفقير