السبت، 2 يناير 2021

بوريكات: هذه تفاصيل ما حكاه لي المانوزي عن اختطافه من تونس....

 بوريكات: هذه تفاصيل ما حكاه لي المانوزي عن اختطافه من تونس....

عندما اقتحمت عليه «المساء» خلوته في باريس، كان يسند رأسه إلى رأس شقيقه بايزيد، يتحاكيان ذكريات يختلط فيها المجد بالمرارة. فوق كرسي اعتراف «المساء»، حكى مدحت «René» بوريكات عن والده التونسي الذي تعلم مبادئ الاستخبارات في الأكاديمية العسكرية بإسطنبول، فقادته إلى الرباط؛ وعن والدته العلوية، قريبة محمد الخامس؛ وعن نشأته وإخوته في محيط القصر الملكي واحتكاكه بالأمراء.. يتذكر مدحت يوم بعثه والده في مهمة خاصة إلى محمد الخامس في فرنسا بعد عودته من المنفى.. ثم اشتغاله في موقع حساس في باريس جعله يتنصت على مكالمات الأمراء والوزراء.. إلى أن سمع ولي العهد يتحدث إلى طبيب والده عن المرض الذي تسبب في وفاة محمد الخامس، والتي يقول بوريكات أنْ «لا علاقة لها بالعملية التي أجريت له على الأنف». في «كرسي الاعتراف»، نتعرف مع مدحت «René» على محيط الملكين محمد الخامس والحسن الثاني، وعلى علاقة المال بالسياسة، وما يتخلل ذلك من دسائس القصور التي قادته، رفقة أخويه بايزيد وعلي، من قمة النعيم إلى متاهات الجحيم في تازمامارت، وجرجرت والدته وأخته بين دهاليز المعتقلات السرية. تفاصيل التفاصيل التي غابت عن كتابه «ميت حي - شهادات من الرباط 1973 إلى باريس 1992» يستحضرها مدحت بوريكات، الذي فقد 20 سنتيما من طوله خلال 20 سنة من الاعتقال، بقدرته المدهشة على الحكي الذي يجعله، يخرج من دور الضحية ليحاكم جلاده، بالسخرية منه طورا، وبالشفقة عليه طورا آخر.

- ما الذي حكاه لك المختطف الحسين المانوزي أثناء مجاورتك له في معتقل الـ«PF3»؟
كان الحسين المانوزي يشتغل تقنيا في شركة للطيران في بلجيكا، تصنع طائرات «فوكر»؛ وبما أنهم كانوا يتعاملون مع الخطوط الليبية فقد التحق، في فترة من الفترات، بليبيا للعمل هناك. إلى جانب هذا، كان المانوزي ناشطا نقابيا ومناضلا في صفوف الاتحاد الوطني للقوات الشعبية. وفي 1968 عاد إلى المغرب، فاعتقل سنة 1970 ضمن عدد كبير من الاتحاديين، منهم الفقيه البصري وسعيد بونعيلات والفكيكي وسباطة.. بالإضافة إلى عدد من أفراد عائلة المانوزي. بعد اعتقاله وتعذيبه، استطاع المانوزي، في سياق من السياقات، الهرب إلى فرنسا؛ وأثناء محاكمة مراكش الكبرى لسنة 1971 حوكم غيابيا، وصدر في حقه حكم بالإعدام. وحسب ما حكاه لي المانوزي، فهو لم يكن يعرف فرنسا جيدا، ولذلك لم يفلح في تذكر اسم ولا مكان الحديقة التي شهدت لقاءه الوحيد بالفقيه البصري في باريس. وبما أنه كان يخشى أن تعتقله فرنسا وتسلمه إلى المغرب، فقد غادرها على وجه السرعة..
- .. إلى تونس؛ لماذا تونس بالتحديد؟
كان قد عاد إلى ليبيا، وعلمت بأمره المصالح الدبلوماسية هناك، فأصبح مراقبا من طرف الأجهزة السرية، خصوصا وأن علاقة صداقة كانت تربطه بمغربي كان يشتغل مقاول بناء في ليبيا، وكان، حسب ما سيكتشفه المانوزي لاحقا، على ارتباط بالأجهزة السرية المغربية. في إحدى المرات، وفق ما حكاه لي الحسين، وكان شهر رمضان على الأبواب، فكر في قضاء ذلك الشهر إما في القاهرة التي كان يتردد عليها باستمرار أو في تونس، فاستقر رأيه على الأخيرة. وقد حكى لي أنه عندما دخل تونس العاصمة اتصل ببعض أصدقائه هناك فدعوه إلى فيلتهم، وبينما هم جالسون يحتسون القهوة، إذا بمجموعة من العناصر المسلحة، بلباس مدني، تقتحم عليهم
الفيلا.
- مغاربة كانوا أم تونسيين؟
كانوا في الغالب تونسيين، فلا أظن التوانسة يسمحون للمغاربة بالقيام بمثل هاته العملية على أراضيهم، لكنهم سوف يسلمون المانوزي إلى المغاربة. المهم أنهم «جمعوه» وساقوه إلى مرأب الفيلا، وهناك قيدوه («كتفوه») ووضعوا مجموعة من اللصاقات (Les sparadraps) على وجهه، ثم ألقموه رضاعة حليب فيها مادة مخدرة - منومة، ثبتوها بتلك اللصاقات، ثم حشروه داخل سيارة تابعة للسفارة المغربية وغادروا به.
- كيف عرف المانوزي أن السيارة التي أركب فيها تابعة للسفارة المغربية في تونس؟
استطاع رؤيتها عندما أنزلوه إلى مرأب الفيلا التي كان فيها. وقد انطلقت السيارة، برّا، في اتجاه المغرب. وفي الجزائر، وبينما كان قد استعاد بعضا من وعيه، تم اقتياده إلى سفارة المغرب أو إقامة السفير هناك، وعندها فكوا قيوده وتفقدوا حالته، ثم سألوه عما إن كان يريد الذهاب إلى بيت الخلاء أو شيء من هذا القبيل، قبل أن يعودوا إلى ملء الرضاعة بالحليب الممزوج بالمادة المخدرة - المنومة ويلقموه حلمتها ثم يثبتوها باللصاقات، بعدها «كتفوه» كما حدث في تونس، وانطلقت السيارة تشق طريقها في اتجاه المغرب. وعندما وصلوا إلى المركز الحدودي «جوج بغال» تحدثوا إليه قائلين: هاهي الحدود المغربية.. أنت حر في دخول المغرب..
- خيروه؟
هذا كان مخططا. هل تظن أنهم جاؤوا به من تونس ليخيروه بين دخول المغرب أو الرجوع على أعقابه!؟ هو لم يكن يملك أية وثيقة.
- وبالفعل، قصد المانوزي شرطة الحدود والجمارك من تلقاء نفسه؟
نعم، وما إن وصل إلى هناك حتى ألقي عليه القبض بشكل رسمي، واقتيد على متن سيارة البوليس إلى غاية الرباط، حيث أودعوه «دار الوزير».
- ما الذي تعنيه بـ«دار الوزير»؟
دار المقري، أو دار الوزير، هكذا كان يطلق على أغلب المعتقلات السرية التي كان يشار إليها بالنقط الثابتة، المعروفة اختصارا بـ»PF»، فكلها تقريبا كانت في ملك الوزير (محمد المقري، الصدر الأعظم) باستثناء مركب الشرطة («Le complexe de la police»)والذي كان يعتبر بدوره نقطة ثابتة، لأنه كان بناية حديثة تم تشييدها أساسا لتكون معتقلا سريا. المهم أنه تم اقتياد المانوزي إلى دار الوزير، ولكنه لم يعرف ذلك، لأنه لم يكن يعرف الرباط، ولأنه كان معصوب العينين. ودار الوزير هاته كانت توجد على يمين طريق زعير في الطريق إلى عين عودة، وكانت فيها حديقة وطابق علوي. وكانت هذه الإقامات-المعتقلات قد صودرت بعد الاستقلال من المقري وأعطيت للجنرال أوفقير، وهو الذي قرر تحويلها إلى مراكز سرية للاعتقال والتعذيب خارج القانون. وكان أكبر هذه المراكز الثابتة يوجد على تل قرب دوار الدوم بنواحي الرباط، وقد كان قصرا في ملكية ابن المقري الذي كان بمثابة وزير للمالية خلال الاستعمار الفرنسي. في هذا القصر- الـ«PF» تم اعتقال الطيارين المصريين الذين ألقي عليهم القبض خلال هبوطهم الاضطراري، في حرب الرمال بين المغرب والجزائر في 1963.
- يعني هذا أن حسني مبارك كان معتقلا في «PF» دوار الدوم؟
أنا لا أعرف ما إن كان حسني مبارك قد اعتقل، كل ما أعرفه هو ما حكاه لي مولاي علي (حارس الـ«PF3») الذي كان حارسا هناك قبل تنقيله إلى الـ«PF3».. لقد أخبرني بأنه كان هناك طيارون مصريون.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

حكايات السعدنى الحلقة السادسة عن الجنرال المغربي محمد اوفقير

حكايات السعدنى الحلقة السادسة عن الجنرال المغربي محمد اوفقير