السبت، 2 يناير 2021

لست ملحدا لكنني لم أكن أصلي في تازمامارت

 لست ملحدا لكنني لم أكن أصلي في تازمامارت




 - في تازمامارت، لجأتم إلى الصلاة والدعاء وقراءة القرآن.. للتخفيف من وطأة السجن الرهيب؛ اِحك لنا عن ذلك..

أنا لا أصلي، ولم يسبق لي طيلة كل مراحل حياتي أن صليت، إذا ما استثنينا مرحلة طفولتي في وجدة، حيث كان باشا المدينة صديقا لوالدي، وكان له أطفال في مثل سني، خصص لهم فقيها يدرسهم اللغة العربية، فكان والدي يرسلني إلى بيت الباشا لتعلم العربية، وبما أن الباشا كان يلزم أبناءه بالصلاة، فقد صليت معهم مرة واحدة في حياتي.
- هل كنت تصلي على طريقة المسيحيين عندما درست في المدارس الفرنسية الكاثوليكية؟
نعم، كانت لدينا حصص من التربية الدينية المسيحية، المعروفة ب»Le catéchisme». وقد كنت أحفظ العديد من المقاطع الإنجيلية عن ظهر قلب، كما أنني كنت «Enfant de chœur» ضمن كورال أطفال الأناشيد الدينية في المدرسة.
- إلى أي سن ظللت تحمل الاعتقادات المسيحية؟
أنا، في الحقيقة، لم تكن لدي أبدا اعتقادات مسيحية. كنت فقط أنفذ ما يدخل ضمن البرنامج المدرسي، سواء في مرحلة الدراسة الابتدائية أو عندما عدت إلى الدراسة في مرحلة الثانوي بمؤسسة «Ecole Des Pères De Foucault» في الرباط، بدون أن أكون مسيحيا.
- هل كنت ملحدا؟
أبدا. لم يحدث في مرحلة من مراحل حياتي ألحدت.. أنا أؤمن بالله، لكن ليس بالضرورة كما يؤمن به الآخرون. ببساطة، أنا مثل تلك المرأة الأمية التي ذهبت إلى فقيه وطلبت منه أن يعلمها أن تصلي فقال لها: توجهي نحو القبلة ورددي: «ميمونة كتعرف الله.. والله كيعرف ميمونة» واعتبري أن صلاتك مقبولة. لقد قرأت القرآن بالفرنسية، في ثلاث ترجمات، فلم أفهم منه أي شيء. أنا أعرف أن الأمر يتعلق بترجمات سيئة، ترجمات تجارية في أغلبها. عندما كنت أدرس في «كوليج مولاي يوسف بالرباط» كان لدينا أستاذ يدرسنا مادة التربية الإسلامية، وكان يحس بأنني لا أتفاعل كثيرا مع دروسه، وذات يوم التقى بي في الشارع، فتقدمت للسلام عليه، وعندما خطوت رفقته بضع خطوات، قال لي: «مالك انت.. آش عندك مع الدين؟»، فأجبته: لا مشكلة لدي مع الدين، أنا مسلم وأؤمن بالله. سألني: هل تصلي؟ قلت: لا. سأل ثانية: هل تصوم؟ فقلت: لا. ثم بادرني بسؤال ثالث: هل لديك فكرة عن الحج؟ فقلت: نعم، لكنني لا أنوي الحج. قال: أنت، إذن، لست مسلما! فأجبت: أنت من يحدد هذا.
- لنعد إلى السجن. تحكي في كتابك «Mort vivant» (ميت حي) عن وفاة زميلك رشيد أمين في تازمامارت، ويتضح من خلال ما كتبته أن وفاته كانت الأشد وقعا عليك؛ لماذا؟
أثرت في نفسي وفاة رشيد كثيرا.. لقد كان يظل طيلة اليوم واقفا بباب زنزانته، وعندما كنت أنادي عليه، من حين إلى آخر، وأسأله: رشيد هل أنت نائم؟ كان يجيب: أنا واقف.. أنا واقف عند الباب. فأمعن في السؤال: لماذا يا رشيد؟ فيجيب: حتى إذا ما أفرجوا عنا، أكون من أوائل من يغادرون تازمامارت. لقد كنت أكرر هذا معه صباحا وزوالا.. فأسأله: رشيد، هل تخلد إلى القيلولة؟ هل تجلس فوق الدكة؟ فيقول: أنا واقف أنتظر فرجي. لقد كان مسلحا بأمل.. بأمل كبير في الخروج من تازمامارت. وكان أشد ما يتأثر له هو عندما يتذكر ابنته التي كانت في سن الزواج. كان يقول لي: كيف يمكن لأمها، يا مدحت، أن تزوجها في غيابي، كيف؟ عندما غادرنا أسوار تازمامارت التقيت بزوجته، التي كان يحكي لي أنها موظفة عصرية رشيقة، فوجدت أمامي امرأة مهمومة مغضنة، ثخينة، لا تهتم كثيرا لحالها.. جاءت لتسلم علي قائلة أنا زوجة رشيد، فبادلتها التحية، وعندما غادرت قلت: عن أي رشيد تتحدث؟ من تكون هذه السيدة؟ قبل أن أتذكر رشيد، صديقي.. رشيد أمين.
- كيف كانت وفاة رشيد أمين في تازمامارت؟
لم يعد رشيد يقوى على النهوض والمشي.. غدا كسيحا بعد أن قضى سنوات واقفا ينتظر أن ينفتح بابا الأمل في وجهه، لكن الأمراض والآلام حاصرته من كل جانب وأقعدته. ورغم كل معاناة رشيد، فإنه لم يكن يشكو المرض أو يجهر بالآلام.. استمر لائذا بالصمت إلى أن رحل في صمت.
- في نونبر 1982 استقبلت بنايتكم، البناية الثانية «B2»، مجموعة من العسكريين الذين كانوا معتقلين في البناية الأولى «B1»؛ كيف عشتم هذا «التلقيح»؟
عندما جيء بنا نحن (الإخوة بوريكات) إلى تازمامارت في مارس 1981، لم تكن البناية الثانية «B2» تؤوي سوى سبعة معتقلين، فأصبحنا عشرة. وبعد وفاة عدد من رفاقنا، تم استقدام ثلاثة معتقلين جدد، هم: حميد بندورو، وعبد الله الذي لم يكن قد مضى على التحاقه بالقاعدة العسكرية بالقنيطرة سوى ثلاثة أشهر عندما اعتقل، ظلما، بعد محاولة إسقاط طائرة الحسن الثاني في 1972، ليكون من أوائل من قضوا في تازمامارت، ثم غني عاشور.
- ما الذي نقله إليكم «سكان» البناية الأولى «B1» عن الحياة في بنايتهم؟
أخبرونا بأنهم كانوا يعيشون حياة أفضل بكثير منا، ومرجع ذلك إلى الانضباط والتنظيم الذي كان ينهجه معتقلو البناية الأولى «B1»، بالإضافة إلى أن عددا منهم كانوا ينتمون إلى عائلات ميسورة الحال كانت تمدهم بالدواء وغير ذلك مما كانوا يحتاجون إليه، عن طريق الحراس.

من مقال

بوريكات: لست ملحدا لكنني لم أكن أصلي في تازمامارت
قال إن رشيد أمين ظل واقفا ينتظر الإفراج عنه إلى أن مات في صمت
نشر في المساء يوم 30 - 05 - 2014

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

حكايات السعدنى الحلقة السادسة عن الجنرال المغربي محمد اوفقير

حكايات السعدنى الحلقة السادسة عن الجنرال المغربي محمد اوفقير