الأحد، 27 ديسمبر 2020

من معتقل سري إلى قلعة حقوقية للمطالبة بحفظ الذاكرة الجماعية

من معتقل سري إلى قلعة حقوقية للمطالبة بحفظ الذاكرة  الجماعية

تحولت قرية تازمامارت التي ارتبط اسمها بالسجن الرهيب إلى قبلة للحقوقيين وضحايا الانتهاكات الجسيمة،وأسرهم، والباحثين في قضايا العدالة الانتقالية،
من أجل الوقوف عند حصيلة جبر الضرر الفردي والجماعي، ومآل ملفات الاختفاء القسري.

إعداد: بورحو بوزياني

تقع تازمامارت بجماعة كرس تعلالين دائرة الريش، في  منخفض بين جبلين، ولها طريق واحدة غير معبدة تربطها بالطريق الثانوية بين كرامة والريش على مسافة أربعة كيلومترات. وتبعد عن الريش بـ20 كيلومترا وعن ميدلت بـ 90 كيلومترا.

قرية تحت الحصار

لم تكن لهذه القرية المهمشة لتعرف، أو يذكر اسمها في وسائل الإعلام الوطنية والدولية، لولا ارتباطها باسم أشهر معتقل سري من معتقلات زمن سنوات الرصاص، بناه الجنرال أوفقير وسط ثكنة عسكرية مهجورة سنة 1974، ليؤوي المعتقلين العسكريين المتورطين في أحداث الانقلاب العسكري.
كان اختيار القرية لبناء المعتقل السري لموقعها الإستراتيجي، الواقع على منخفض في سفح الجبل، إذ لا ترى من الطريق الثانوية الريش-كرامة.
تقول جمعية تازمامارت للثقافة والتنمية “لا يمكن لأي سيارة أو أي غريب أن يدخل القرية، إلا بعد تفتيش دقيق، حيث تسجل جميع المعلومات التي تخص الزائرين وسياراتهم، والعائلة التي ينوون زيارتها، ما جعلها قرية معزولة عن العالم الخارجي”.
لقد تحولت حياة الفلاحين البسطاء إلى جحيم، فحتى الحركة ليلا أصبحت ممنوعة عليهم، ووصل الأمر إلى حد إغلاق المدرسة الوحيدة التي كانت تستقبل أبناء القرية، وحرمانهم من حق التمدرس، إذ ظلت مغلقة من 1974 إلى غاية 1978″. ظلت القرية خارج الاستفادة من الكهربة القروية، حتى يظل المعتقل الرهيب، بعيدا عن الأنظار، وهو الذي كان يقبع في زنازينه المميتة، أزيد من 70 معتقلا، لقي حوالي النصف منهم حتفهم، قبل أن يفرج عن الناجين من جحيمه سنة 1991.

قافلة ضد النسيان

نظمت مجموعة من الفعاليات الحقوقية، أيام 4 و5 و6 دجنبر الجاري، قافلة حقوقية طبية إلى المعتقل السري، تحت شعار “قافلة تازمامارت ضد النسيان من أجل الحقيقة والإنصاف وجبر الضرر وعدم التكرار”، من أجل التوعية ولحث الدولة على إيجاد حل عادل و منصف لملف الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان. ونظم المشاركون في القافلة وقفة أمام مقر جمعية تازمامارت للتنمية، قبل الانطلاق في مسيرة  إلى وسط المعتقل، وهنالك حصل تنظيم وقفة ثانية بمكان الذاكرة بمقبرة تازمامارت، تخللتها دقيقة صمت، كما تليت الفاتحة ترحما على الضحايا.
وأكد عبد الله أعكاو، أحد الناجين من الموت، أن ثكنة  تازمامارت مازالت بيد المؤسسة العسكرية، وأن تسليمها للمجلس الوطني لحقوق الإنسان لم يحصل بعد، وأنه بعد انصراف المشاركين في الوقفة، سيمنع الدخول إلى المعسكر، وهو محروس برجال القوات المساعدة. وأوضح أعكاو، في كلمة له بالمقبرة، أنه تم تدمير المعتقل من أجل إخفاء آثاره، وجرى ترميم مركز الشرطة العسكرية، وتحويله إلى مستوصف قروي، بدون ماء ولا كهرباء، فيما ظل هناك بقايا مطبخ السجن ومنزل الكولونيل محمد بلقاضي، ومستودعات ومراقد الجنود ومرافق إدارية، وخزان ماء، وإلى جانب المعتقل هناك المقبرة، وهو محاط بسور تعلوه أسلاك شائكة.
وافتتحت القافلة الحقوقية في خيمة بميدان مجاور لمقر جمعية تازمامارت، وتليت كلمات الجهات المنظمة للقافلة (جمعية ضحايا معتقل تازمامارت والجمعية الطبية لإعادة تأهيل ضحايا التعذيب ولجنة التنسيق لعائلات المختطفين مجهولي المصير وضحايا الاختفاء القسري بالمغرب).
كما نظمت ورشات حول المقابر الفردية والجماعية، وورشة خاصة بتازمامارت شاركت فيها عائلات الضحايا، وجمعية تازمامارت للتنمية، وقدمت خلالها شهادات الناجين من سجن تازمامارت عبد الله أعكاو، وأحمد المرزوقي، وحشاد.
وأكد المنظمون في بيان للمناسبة، على العمل على جبر الضرر الفردي والجماعي بالشكل الذي يمكن الضحايا وذوي الحقوق من العيش بكرامة وإعادة الاعتبار إليهم، وتسوية وضعيتهم الإدارية على غرار باقي ضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان. كما طالب المنظمون بالحفاظ الإيجابي على ذاكرة الاختفاء القسري من خلال التحفظ على مراكز الاعتقال والمدافن الفردية والجماعية، وتحويلها إلى أماكن للذاكرة، وضمنها المعتقل السري تازمامارت، وتحديد هوية رفات المتوفين داخله.

لا شيء تغير

أكد عبد الكريم المانوزي، أحد المشاركين في القافلة، في كلمة له، وهو يتأمل أوضاع القرية، مقارنة مع الزيارات السابقة لها، أنها ما تزال على ما هي، وإنها تشكل نموذجا لتخلف التنمية. فبعد 10 سنوات على صدور تقرير هيأة الإنصاف والمصالحة، ومرور 15 سنة على زيارة المنتدى المغربي من أجل الحقيقة والإنصاف، في 7 أكتوبر 2000، “ها هي الطريق غير معبدة، والمستوصف يفتقر إلى الكهرباء والماء، إنها لكارثة.. لقد جئنا إلى القرية مصاحبين فريقا من الأطباء، أملا في رفع المعاناة عنهم، ومساعدتهم في المجال الطبي”.
يقول المانوزي إن  من بين أهداف القافلة الكشف عن الحقيقة الكاملة، وصيانة الذاكرة والحفاظ عليها، وإتمام جبر الضرر الفردي، وإعادة الاعتبار للقرية ليبنى فيها مستشفى حقيقي، وليس مستشفى يفتقر إلى الماء والكهرباء، ولمسنا غياب الطريق، وغياب الثانوية، هناك حاجات عديدة  للسكان تستدعي تلبيتها”.

جمعية لرفع التهميش

أسست أول جمعية بالقرية في 2000 تحت اسم جمعية “تازمامارت للثقافة والتنمية:، وكان أول عمل قامت به مراسلة عامل إقليم الرشيدية، للمطالبة برد الاعتبار للقرية وسكانها، لما تعرضت له بسبب المعتقل الرهيب الذي يحمل اسمها.
وراسلت رئيس هيأة الإنصاف والمصالحة إبان تأسيسها، وشاركت في العديد من اللقاءات التي عقدتها الهيأة. وتم إدراج تازمامارت في لائحة المناطق التي يجب أن تستفيد من برنامج جبر الضرر الجماعي. وقاطعت الجمعية الشطر الأول من برنامج جبر الضرر الجماعي الممول من الاتحاد الأوربي، بسبب الشروط التي فرضها البرنامج  على السكان، والتي تقضي بالمساهمة في المشروع  بنسبة 10 في المائة.
وتظل مطالب السكان اليوم، بعد كل هذه السنوات، متركزة على محو أسباب العزلة، من خلال تعبيد الطريق بين تازمامارت والطريق الثانوية الريش- كرامة على مسافة 4 كيلومترات، وربط القرية بشبكة الهاتف المحمول وشبكة الأنترنيت.

معاناة قرية

تعمقت معاناة سكان القرية، منذ احتضانها السجن الرهيب، فقد حرم بعض الفلاحين بمحيطه من الاستفادة من أغراس الزيتون، في إطار المغرب الأخضر. كما منعت جمعية تازمامارت للتنمية من الاستفادة من أرض لتنفيذ مشروع جبر الضرر الجماعي.
وحرم تلاميذ المنطقة من الاستفادة من سكن مدرسي. كما تسبب وجود المعتقل فوق تراب القرية، في التشديد من المقاربة الأمنية، ورفض تسليم المعسكر للجمعيات المحلية لتحويله إلى مراكز وظيفية تعود بالنفع على المواطنين.
وأجرت وزارة الداخلية تحفيظا عقاريا، تحت رقم 390 بتاريخ 15-04-1990، حرم سكان القرية من صفة ذوي الحقوق، وصعب الاستفادة من الأرض الجماعية بمحيطها. ولم يسمح للورثة ببيع أرضهم، فور إنجاز عقد القسمة (الإراثة)، وجعلهم ينتظرون سنوات، وفق توصية القضاء المعمول بها في منطقة الريش.

تدوين الذاكرة

كانت لكريستين السرفاتي الفضل في تعرية النقاب عن معتقل الموت تازمامارت، بجبال الأطلس الكبير الشرقي، إذ هي أول من أعلن سره للرأي العام الدولي من خلال كتابها “تازمامارت سجن الموت”، ليصبح بذلك الكشف عن حقيقته والبحث عن سبيل لإنصاف ضحاياه الأحياء منهم بالصدفة والأموات بقوة التعذيب، فإنها لم تكن أول مكتشف للمعتقل الرهيب، ولا للقرية التي حملت اسم تازمامارت (تعني بالأمازيغية أرض الأسد)، والتي كانت تعرف أيضا باسم “تيجان”، أي الصهاريج أو المواجل  بالأمازيغية. فكل سكان المنطقة يعرفون المعتقل الذي يقع على الضفة اليمنى لواد تازمامارت أحد روافد زيز.
وكل أهل القرية يعرفون أن بجوارهم معتقلا سريا، وإن منهم من اشتغل في ورش بنائه، فلا غموض لديهم في تحديد موضع الجناح الذي كان يحتضن السجن في بساط المعسكر. وأما أخبار الضحايا، فغالبا ما كانت تتسرب إليهم.
أرهب المعتقل بالتأكيد سكان المنطقة، ومسهم الضرر من كل جانب، لذلك غشيهم برنامج جبر الضرر الجماعي، بناء على توصيات هيأة الإنصاف والمصالحة، الذي انقطع تنفيذه.
ومن فصول البرنامج الحفظ الإيجابي للذاكرة بمنطقة تازمامارت، الذي يروم تحقيق المصالحة بين السكان المحليين، ومركز الاعتقال السري، وفق ما أوصت به هيأة الإنصاف والمصالحة.
ولا شك أن التعريف بمنطقة تازمامارت يشكل مدخلا أساسيا لحفظ الذاكرة، أو على الأقل، بداية لتصحيح التمثل، وذلك بالانتقال من ترويج الأراجيف إلى تأسيس رؤية واضحة.
ويبدو أن الإحاطة بكل مكونات الحياة البشرية بمحيط المعتقل السابق، واعتماد الدراسة الأفقية، سيمهدان للانتقال من الأسطورة إلى الواقع، من عمل الذاكرة الذاتية إلى عمل  الذاكرة الجماعية وعبره إلى التاريخ الموضوعي للمنطقة.
لحسن أيت الفقيه
(باحث في التراث الثقافي والتنمية القروية)

عن موقع 

صحيفة الصباح



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

حكايات السعدنى الحلقة السادسة عن الجنرال المغربي محمد اوفقير

حكايات السعدنى الحلقة السادسة عن الجنرال المغربي محمد اوفقير