الاثنين، 28 ديسمبر 2020

أعكاو: تازمامارت لم يكن معتقلا سريا والذين اتصلوا بعائلاتهم أخفوا عنا ذلك

أعكاو: تازمامارت لم يكن معتقلا سريا والذين اتصلوا بعائلاتهم أخفوا عنا ذلك 

 تفاصيل الموت البطيء والنجاة بأعجوبة من معتقل تازمامارت ماتزال مختبئة رغم القصص التي رويت على لسان الناجين، منهم ضيف حلقاتنا عبد الله أعكاو  (كان برتبة رقيب ميكانيكي متخصص في الذخيرة) الذي مازال لم ينشر بعد مذكراته على غرار جل الذين نجوا بأعجوبة، وهو  الذي كُتب له العيش بعد قضائه 17 سنة داخل المعتقل الرهيب بتهمة محاولة الانقلاب على الملك الراحل الحسن الثاني.. في هذه الحلقات سنتذكر معه ماضيه الأليم منذ محاولات العيش وسط القبر  إلى العودة لحضن العائلة وتلمس الطريق نحو الإدماج والإنصاف..

بعد وصولنا إلى معتقل تزمامارت في السبعينات على متن شاحنات عسكرية، رُفعت العصابات وحلت الأصفاد لتمكين عناصر الدرك الملكي من أخذ صور ومعطيات عمن قسى عليهم القدر وأرسلهم إلى ذلك المكان، وعند الانتهاء صفدنا من جديد وأغمضت أعيننا واقتدنا إلى زنازين موحشة.


أذكر وأنا في سن الـ25 من عمري كيف دفعني حارس بقوة إلى غرفة/قبو مظلمة تغلي من شدة الحر، بعدها بدأت أتحسس معالم المكان المقمر لاكتشف أن ما سيكون سريري عبارة عن مصطبة إسمنتية عليها شبه أغطية بالية عفنة، فيما دورة المياه عبارة عن ثقب صغير.. لقد ساد صمت رهيب عندما غادر الحراس، لأن كل واحد منا كان يحاول استيعاب ما يجري، وبدوري جلست في زنزانتي التي كانت تحمل الرقم 5 وبدأ يتقاطر عليّ سؤال تلو الآخر، أين أنا الآن وهل سيطول مقامنا هنا؟ وكيف سيكون مصيرنا؟ هل سنحظى بظروف أرحم مما مررنا منه في سجون القنيطرة وتمارة أم أن السوء سيزداد في تعمقه؟ أما عائلتي فلم أفكر فيها لأني فقدتها منذ الوهلة الأولى ولم يشأ القدر أن أراها عندما كنت في السجن المركزي بالقنيطرة رغم الوعود.

فجأة كسّر أحمد الرايس الصمت القاتل عندما بادر بالحديث مستفسرا عن هوية الموجودين في المكان، لينطلق الحديث عندما تفاعل معه أصدقاؤه من معتقلي اهرمومو على اعتبار أنهم كانوا يتميزون عن معتقلي انقلاب الطائرة بالحرية والطلاقة في الحديث نتيجة المعاملة التي حظوا بها في سجن القنيطرة.

شخصيا لم أميز الأصوات قبل أن أتفاعل معهم حينما طلب منا معتقل أن نعرف بأنفسنا فانطلقنا نقدم واحدا واحدا أسماءنا ورتبنا العسكرية والقضية التي نتابع فيها. ونحن في غمرة الحديث بسجيتنا شرع بعض السجناء في فتح نويفذة صغيرة على باب الزنزانة مخصصة لمد السجين بالطعام، مستغلين عدم إقفالها من الخارج من طرف السجانين، كان أول من رأيت عندما أطللت من النافذة الصغيرة الملازم المرزوقي من داخل زنزانته رقم 10 التي تقابل زنزانتي، وفي جانبه لمحت الملازم الشبرق وفي جانبي الأيسر سمعت صوت الملازم الصفريوي، وقد سمح لنا فتح النوافذ الصغيرة المطلة على الدهليز الذي يحفظ قليلا من الضوء الخافت بتبادل الحديث حتى ساد نوع من الصخب.

لقد كانت أول معلومة اكتشفها المعتقلون هو أنهم في مكان اسمه تزمامارت، على اعتبار أن بعض السجانين كانوا في اهرمومو ويعرفون بعض السجناء معنا كمحمد الرايس ومحمد غلول وعبد اللطيف بلكبير، وأخبروهم بأن الأمور مؤقتة ولن يمسهم سوء، وهو ما جعلنا نبقى متفائلين بشكل جعلنا ننخرط في الحديث بشكل حميمي في ما بيننا. شخصيا كانت فرصة للتعرف على أصدقاء جدد، كالزموري وبوحيدة والراشدي صاحب الزنزانة رقم 1، وعلى الملازم برضوان من معتقلي اهرمومو الذي كان على يميني، والرقيب الشجعي الذي كان في الزنزانة رقم 7، والعفياوي الذي كان يكبرني سنا، إلى جانب الملازم الساعودي. وبالتالي مر اليوم الأول في جو أخوي تعرفنا فيه على بعضنا البعض.

لما حان وقت الغذاء في وقت متأخر من مساء اليوم الأول في تازمامارت، فتح علينا السجانون أبواب الزنازن لكن لم يسمحوا لنا بالتحرك في الدهليز الطويل الذي تتسلل إليه أشعة شمس ضعيفة، أي اكتفى كل واحد منا بلقاء جيرانه، مع مدنا بخمسة لترات من الماء، وهو نظام استمر مدة قصيرة للأسف.

في انتظار أن يصل طبق الغذاء، تبادلنا الحديث مع الحراس لنعرف أين نحن وماذا ينتظرنا، وأتذكر أني اشتكيت لأحدهم من بقايا البناء المتناثرة في زنزانتي، فما كان لهم إلا أن يأتوا بالماء وشرعوا في غسل كل الزنازن لتنقيتها. خِلنا من معاملتهم لنا أن الأمور ستكون على أحسن ما يرام عما قريب كما قال لنا الحراس، لكن الحال أنهم لم يكونوا يعلمون بدورهم بالنظام الذي سنمشي عليه، لقد كنا نجهل جميعا أن نظاما قاتلا ينتظرنا، لأننا بالنسبة إليهم كنا خونة حاولوا إسقاط الطائرة الملكية.

وفي ظل هذه الظروف التي جعلتنا متفائلين ولأن أول ما يفكر فيه السجين هو التواصل مع عائلته، فقد أقدم بعض المعتقلين، منذ اليوم الأول، على تنفيذ أول خطوة للتواصل مع ذويهم، خصوصا معتقلو قاعدة اهرمومو، لأنه وعلى عكسنا تماما نحن معتقلو انقلاب الطائرة الذين اعتدنا المرور بمراحل تسوء شيئا فشيئا منذ اعتقالنا في 16 غشتت 1972 من القاعدة الجوية للقنيطرة، فقد كانوا يحظون بنظام خاص بالسجناء العاديين ويستفيدون من الزيارات و”القفة” عندما كانوا نزلاء في سجن القنيطرة، وهو ما جعلهم يحاولون الحفاظ على هذه الامتيازات في تزمامارت، خاصة بعدما تعرف بلكبير على حارس كان يشتغل في ضيعة والده قبل التحاقه بالجيش، فساعده على التواصل مع عائلته.

بالنسبة إلي، وكباقي معتقلي محاولة إسقاط الطائرة الملكية، يمكن أن أقول إني تأقلمت مع الوضع الجديد منذ الليلة الأولى فقد ألفنا الظلمة والأبواب الموصدة، على عكس معتقلي اهرمومو، لذلك استعجلوا الاتصال بعائلاتهم، وكان أول من نجح في ذلك هو الطيار صالح حشاد، أما محمد الرايس فلم يتوصل بأي رد.

الذين استطاعوا ربط الاتصال مع عائلاتهم في الأسبوع الأول أبقوا ذلك سرا ولم يخبرونا، وقد فطنت لذلك ذات يوم عندما طلبت من الحارس المساعد الأول خربوش أن يمدني بشمعة فسألني “انت منين” أجبته “أنا من نواحي الرباط” فقال لي “شنو عندك تما” قلت “الوالدة ديالي” فخاطبني “هاك ولكن قولها تعطيك المرة جاية باش تشري الشمع”، وبعد مرور ثلاثة أيام من الغياب عاد إلينا وهو محمل برسائل وأدوية أرسلتها عائلات سجناء، هنا فطنت أخيرا بأن التواصل تم وأن هناك أسرا تعرف بوجودنا هنا، وبالتالي أشدد مرة أخرى على أن معتقل تازمامارت لم يكن سريا مادام التواصل تم منذ الأيام الأولى من الأسبوع الأول، وشخصيا لم أكتشف ذلك حتى بدأت المرحلة الثانية من الاتصالات، مرحلة تسببت في نشوب حزازات بين المعتقلين، سأشرح هذا في ما بعد.


عن موقع

اشكاين

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

حكايات السعدنى الحلقة السادسة عن الجنرال المغربي محمد اوفقير

حكايات السعدنى الحلقة السادسة عن الجنرال المغربي محمد اوفقير