السبت، 26 ديسمبر 2020

ريمونْ ساسيّا يروي تفاصيل انقلاب 16 غشت 1972

 

ريمونْ ساسيّا يروي تفاصيل انقلاب 16 غشت 1972

ترجمة مصطفى النحال *

بعد المحاولة الانْقلابية الأولى، اعْتمد الحسن الثاني، على خدمات ريمونْ ساسيّا، أحد الحرّاس الشخصييّن السابقين للجنرال دوغول، وذلك منْ أجْل تأمين سلامة الملك، وسلامة الأسرة المَلَكية. وقد كانَ الامتحان الحقيقيّ الأوّل هو مرافقته للملك في رحلة عودته من زيارة خاصة لباريس يوم 16 غشت 1972، حيث عمدتْ أربعُ طائرات «ف5» التابعة للقوات الجوية المغربية لمهاجمة البوينغ التي كان على متنها الحسن الثاني ومرافقوه.
يقول ساسيّا:»كنتُ أوّل من انْتبه إلى وجود طائرات أمْريكيّة، اعتقدتُ للوهلة الأولى أن الأمر يتعلّق بحراسة جوّيّة مرافقة لنا، وتوجهتُ إلى الملك قائلا:»هل أنتَ الذي أعطيتَ الأوامر؟»، فأجاب :»كلاّ، لم أعْط أية أوامر، لكنْ انتبه قد يكون هجوما ليبيّا». على متن الطائرة، كنّا أربعة عشر شخْصا، وكنتُ قد طلبتُ من الجميع عدم حمْل أيّة حقيبة سفر مهما كان نوعها، ولا حتى منديل أو حقيبة يد. وكانت الطائرة في مطار أورْلي، قبل الإقلاع، تحت حراسة الدرك الفرنسي.
«كان على متن الطائرة كلّ من الأمير مولاي عبد الله، والدليمي، ومولاي علي، وعدد من أطباء الملك، والكولونيل السكيرج، ومساعده في الحامية العسكرية، والسكرتير الخاص للملك. لا زلتُ أذكر أنّ الدليمي لمْ يكن يرغبُ في امتطاء الطائرة معنا تحت ذريعة أنه يجب أنْ يبقى في باريس من أجْل قضاء بعض المسائل الهامة، غير أنّ الملك أجبره على الصعود. كانت الطائرة من نوع «بوينغ 727» بثلاثة محرّكات. وخلال هذا الهُجُوم قُتل الضابطان اللذان كانا معنا على متن الطائرة. وتمّ توزيع أقنعة الأوكسجين. كان محمّد القباج ربّانا ماهرا من الأفواج الأولى المغربية المتخصّصة في الطيران الحربي. جلس كل واحد منا هادئا على مقعده، ربما باستثناء عسكرييْن أو ثلاثة من مستوى رفيع حاولوا الاختباء أو مغادرة الطائرة. للحظات طويلة ساد صمْت مُطبق، وكان الدليمي ممسكا بيد مولاي عبد الله، في حين كان الجميع يتساءل عما إذا لم تكن هذه هي الرحلة الأخيرة في حياته. تلقيت شَظْية في الذراع وأخرى في الظهر، وأصيب أيضا العقيد فرج، أما الملك فلم يُصَبْ. وقد أبدى القباج قائد الطائرة الملكية هدوءا مخادعا في إيقاف الهجوم على الطائرة عند هذا الحد. فأوحى إلى مهندس الطيران في الطائرة بالتحدث عبر الراديو للمهاجمين، وإخبارهم بأن أحد قبطاني الطائرة قد قتل، وأن الملك قد أصيب بجروح خطيرة في مؤخرة عنقه. وأضاف المهندس قائلا:» فكروا في زوجتي وأطفالي»، فانسحب المهاجمون إلى قاعدتهم في القنيطرة للتسلح مجدد من جديد، فيما اغتنم القائد محمد القباج، الذي أصبح فيما بعد قائدا لسلاح الجوّ، الفرصة في هذه الأثناء، وبعد عشرين دقيقة هبط بنجاح بطائرة بالغة الإصابة وسط سُحُب من الدخان في مطار الرباط العسكري، فيما أصبحت أي فرصة لتحرك الملك دون اثر ودون شهود مفقودة لمنفذي الانقلاب . بعد ذلك التفتّ نحو الملك وقلتُ له:»عندما تدخل القاعة الشرفية، اطلب من الجميع أن يلتحق بالموكب الملكي، وسآخذك أنا إلى مكان آخر»
اتجه الملك مباشرة من المطار العسكري إلى القاعة الشرفية بالمطار المدني حيث قام بتحية حرس الشرف وتحية الشخصيات الكبيرة المصطفة لاستقباله، ثم قضى بعض الوقت في إصدار التعليمات ولينسحب بعدها بصورة مرسومة إلى سيارة صغيرة متوجهة إلى
بعد هبوط الطائرة، ثم وصل أوفقير ورآني أنا والدليمي نقبض على سلاحنا. همستُ في أذنه بأن يقدّم التشريفات الملكية!. بعدها خاطبتُ الجنرال أوفقير من جديد وقلت له:»يمكنك الالتحاق بالموكب».
«ثم توجهتُ أنا والملك بشكل سريّ إلى القصر الملكي بالصخيرات، ونابَ عنه في الموكب الملكي مولاي عبد الله. ولقد حضرتني البديهة بصورة قوية، فقد حلق فوق المطار سرب من الطائرات المقاتلة وبدأت في قصف صالة القاعة الشرفية والمنطقة الخلفية لها وأطلقوا النيران على موكب الاستقبال الذي كان لا يزال هناك وهذه من اللحظات التي شهدت معظم الإصابات التي حدثت فمات 8 وجرح 50 بينهم 4 وزراء. قال لي الحسن الثاني:»لقد خانني الجيش مرة أخرى». كان ممتقع اللون. غير أنه سرعان ما هدأ وانشرحتْ أساريره في الصخيرات عندما لاحظ بأن الجميع يقبلون يديه ويعبرون عن فرحتهم وامتنانهم. وهذا ما أعاد إليه السعادة والابتسامة.
كُتب الكثير عن «الانعدام المُهْول لمهارة» الرّبابنة المغاربة الذين عجزوا عن اعتراض طريق طائرة مدنية! وقد قدّم أحد رفاقهم، حين سألته شخصيا عن السبب، التفسير التالي:» لقد كان فريق أمقران، قائد سلاح الجوّ، ينتمي إلى الوحدة العسكرية أرض-جوّ، لكنهم لم يتدربوا أبدا على معارك وهجمات جوّ-جوّ، وذلك بسبب التقييدات الناجمة عن المحاولة الانقلابية الأولى، فضلا عن كوْن المدافع الموضوعة على الأجهزة، في نظر هذا الضابط لم تكنْ مُركّزة. «كان الأمر أشْبه بعملية خروج إلى القنص بواسطة البندقيات». بل الأخطر من هذا أنّ فوهات المدافع، التي كانت على متن الطائرات، لَمْ تُسْتصْلَح، علاوة على أنه كانت صدئة بسبب الرطوبة الكبيرة في القاعدة العسكرية بالقنيطرة، وبعضها كان معطّلاً. ومن جهة أخرى، لا ينبغي تجاهل العامل السيكولوجي:» لقد كان كل من اكويرة وأمقران يرغبان في تأكيد شيء ما. فقد كانا متعطّشين إلى الانتقام بسبب مسارهما المهني الذي اعتبراه غير عادل، الأمْر الذي جعلهما يتصرّفان بكثير من الطيْش والرعونة وقليل من التروّي أو انعدامه؛ كما جعلهما عاجزيْن عن تحليل المشاكل الموضوعية التي كشف عنها هذا التدخّل. ولأنهما فكّرا وتصرّفا بطريقة استعجالية، كما فعل اعبابو قبلهما بسنة، فقد كانا مقتنعيْن بأن المهمّة لا يمكنها إلاّ أنْ «تنجح»! التتمّة معروفة: «انتحار» محمد أوفقير، إعدام عدد من الضباط السامييّن، حملة اعتقالات واسعة مصحوبة باستنطاقات عنيفة، وجلسات تعذيب. سنة بعد ذلك، ولأنه لم يكن راضيا على الأحكام التي صدرت في حقّ المتهمين «المتوسّلين والمتضرّعين»، فإنّ الحسن الثاني قدْ أخذ حواليْ ستّين منهم، ونقلهمْ إلى أكبر معتقل سرّي ورهيب، هو معتقل «تازممارت» في الجنوب الشرقي للمغرب، حيث توفّي نصفهم في ظروف فظيعة ومهولة.

*(من حوار مع الكاتب) عن كتاب «Hassan II: Entre tradition et absolutisme de Ignace Dalle»

8/16/2013



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

حكايات السعدنى الحلقة السادسة عن الجنرال المغربي محمد اوفقير

حكايات السعدنى الحلقة السادسة عن الجنرال المغربي محمد اوفقير